سورة هود - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


قرأ الجمهور: {تولَّوا} بفتح اللام والتاء على معنى تتولوا، وقرأ عيسى الثقفي والأعرج: {تُولُوا} بضم التاء واللام، و{إن} شرط، والجواب في الفاء وما بعدها من قوله {فقد أبلغتكم}، والمعنى أنه ما علي كبير همّ منكم إن توليتم فقد برئت ساحتي بالتبليغ، وأنتم أصحاب الذنب في الإعراض عن الإيمان. ويحتمل أن يكون {تولوا} فعلاً ماضياً، ويجيء في الكلام رجوع من غيبة إلى خطاب، أي فقل: قد أبلغكم.
وقرأ جمهور {ويستخلفُ} بضم الفاء على معنى الخبر بذلك، وقرأ عاصم- فيما روى هبيرة عن حفص عنه- {ويستخلفْ} بالجزم عطفاً على موضع الفاء من قوله {فقد}.
وقوله: {ولا تضرونه شيئاً} يحتمل من المعنى وجهين:
أحدهما ولا تضرونه بذهابكم وهلاككم شيئاً أي لا ينتقص ملكه، ولا يختل أمره، وعلى هذا المعنى قرأ عبد الله بن مسعود: {ولا تنقصونه شيئاً}.
والمعنى الآخر: {ولا تضرونه} أي ولا تقدرون إذا أهلككم على إضراره بشيء ولا على الانتصار منه ولا تقابلون فعله بكم بشيء يضره. ثم أخبرهم أن ربه {حفيظ} على كل شيء عالم به، وفي ترديد هذه الصفات ونحوها تنبيه وتذكير، والأمر واحد الأمور، ويحتمل أن يكون مصدر أمر يأمر، أي أمرنا للريح أو لخزنتها ونحو ذلك، وقوله {برحمة}، إما أن يكون إخباراً مجرداً عن رحمة من الله لحقتهم، وإما أن يكون قصداً إلى الإعلام أن النجاة إنما كملت بمجرد رحمة الله لا بأعماله؛ فتكون الآية- على هذا- في معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل أحد الجنة بعمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمته».
وقوله {ونجيناهم من عذاب غليظ} يحتمل أن يريد: عذاب الآخرة، ويحتمل أن يريد: وكانت النجاة المتقدمة من عذاب غليظ يريد الريح، فيكون المقصود على هذا، تعديد النعمة ومشهور عذابهم بالريح هو أنها كانت تحملهم وتهدم مساكنهم وتنسفها وتحمل الظعينة كما هي ونحو هذا. وحكى الزجاج أنها كانت تدخل في أبدانهم وتخرج من أدبارهم وتقطعهم عضواً عضواً. وتعدى {جحدوا} بحرف جر لما نزل منزلة كفروا، وانعكس ذلك في الآية بعد هذا، وقوله: {وعصوا رسله}، شنعة عليهم وذلك أن في تكذيب رسول واحد تكذيب سائر الرسل وعصيانهم، إذ النبوات كلها مجمعة على الإيمان بالله والإقرار بربوبيته: ويحتمل أن يراد هود. وآدم، ونوح والعنيد: فعيل من عَنِدَ إذا عتا. ومنه قول الشاعر: [الرجز].
إني كبير لا أطيق العندا ***
أي الصعاب من الإبل، وكان التجبر والعناد من خلق عاد لقوتهم، وقوله {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة} الآية، حكم عليهم بهذا الحكم لكفرهم وإصرارهم حتى حل العذاب بهم، واللعنة: الإبعاد والخزي، وقد تيقن أن هؤلاء وافوا على الكفر فيلعن الكافر الموافي على كفره ولا يلعن معين حي، لا من كافر، ولا من فاسق، ولا من بهيمة، كل ذلك مكروه بالأحاديث. و{يوم} ظرف معناه أن اللعنة عليهم في الدنيا وفي يوم القيامة. ثم ذكرت العلة الموجبة لذلك وهي كفرهم بربهم؛ وتعدى كفر بغير الحرف إذ هو بمعنى {جحدوا} كما تقول شكرت لك وشكرتك، وكفر نعمته وكفر بنعمته، و{بعداً} منصوب بفعل مقدر وهو مقام ذلك الفعل.


التقدير: وأرسلنا إلى ثمود وقد تقدم القول في مثل هذا وفي معنى الأخوة في قصة هود.
وقرأ الجمهور: {وإلى ثمودَ} بغير صرف، وقرأ ابن وثاب والأعمش {وإلى ثمود} بالصرف حيث وقع، فالأولى على إرادة القبيلة، والثانية على إرادة الحي، وفي هذه الألفاظ الدالة على الجموع ما يكثر فيه إرادة الحي كقريش وثقيف وما لا يقال فيه بنو فلان؛ وفيها ما يكثر فيه إرادة القبيلة كتميم وتغلب، ألا ترى أنهم يقولون تغلب ابنة وائل، وقال الطرماح: [الطويل]
إذا نهلت منه تميم وعلّت ***
وقال الآخر: [المتقارب]
تميم ابن مر وأشياعها ***
وفيها ما يكثر فيه الوجهان كثمود وسبأ، فالقراءتان هنا فصيحتان مستعملتان. وقرأت فرقة {غيرُه} برفع الراء، وقد تقدم آنفاً.
و {أنشأكم من الأرض}، أي اخترعكم وأوجدكم، وذلك باختراع آدم عليه السلام: فكأن إنشاء آدم إنشاء لبنيه. {واستعمركم}، أي اتخذكم عماراً، كما تقول: استكتب واستعمل. وذهب قوم إلى أنها من العمر أي عمركم، وقد تقدم مثل قوله: {فاستغفروه ثم توبوا إليه}.
{إن ربي قريب مجيب}، أي إجابته وغفرانه قريب ممن آمن وأناب، و{مجيب}، معناه بشرط المشيئة والظاهر الذي حكاه جمهور المفسرين أن قوله: {مرجواً} معناه: مسوداً؛ نؤمل فيك أن تكون سيداً سادّاً مسدّ الأكابر، ثم قرروه على جهة التوبيخ في زعمهم بقولهم: {أتنهانا} وحكى النقاش عن بعضهم أنه قال: معناه حقيراً.
قال القاضي أبو محمد: فأما أن يكون لفظ {مرجواً} بمعنى حقير فليس ذلك في كلام العرب، وإنما يتجه ذلك على جهة التفسير للمعنى، وذلك أن القصد بقولهم: {مرجواً} يكون: لقد كنت فينا سهلاً مرامك قريباً رد أمرك، ممن لا يظن أن يستفحل من أمره مثل هذا فمعنى مرجو أي مرجو اطراحه وغلبته ونحو هذا، فيكون ذلك على جهة الاحتقار، فلذلك فسر بحقير، ويشبه هذا المعنى قول أبي سفيان بن حرب: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة... الحديث؛ ثم يجيء قولهم: {أتنهانا} على جهة التوعد والاستشناع لهذه المقالة منه.
و {ما يعبد آباؤنا} يريدون به الأوثان والأصنام، ثم أوجبوا أنهم في شك من أمره وأقاويله، وأن ذلك الشك يرتابون به زائداً إلى مرتبته من الشك قال القاضي: ولا فرق بين هذه الحال وبين حالة التصميم على الكفر، و{مريب} معناه ملبس متهم، ومنه قول الشاعر: [الرجز]
يا قوم ما بال أبي ذؤيب *** كنت إذا أتيته من غيب
يشم عطفي ويمس ثوبي *** كأنني أربته بريب


قوله: {أرأيتم} هو من رؤية القلب، أي أتدبرتم؟ والشرط الذي بعده وجوابه يسد مسد مفعولي {أرأيتم}، والبينة: البرهان واليقين، والهاء في بيّنة للمبالغة، ويحتمل أن تكون هاء تأنيث، والرحمة في هذه الآية: النبوة وما انضاف إليها، وفي الكلام محذوف تقديره أيضرني شككم أو أيمكنني طاعتكم ونحو هذا مما يليق بمعنى الآية.
وقوله {فما تزيدونني غير تخسير} معناه: فما تعطونني فيما أقتضيه منكم من الإيمان وأطلبكم به من الإنابة غير تخسير لأنفسكم، وهو من الخسارة، وليس التخسير في هذه الآية إلا لهم وفي حيزهم، وأضاف الزيادة إليه من حيث هو مقتض لأقوالهم موكل بإيمانهم، كما تقول لمن توصيه: أنا أريد بك خيراً وأنت تريد بي شراً.
فكأن الوجه البيّن؛ وأنت تزيد شراً ولكن من حيث كنت مريد خير به ومقتضي ذلك- حسن أن تضيف الزيادة إلى نفسك.
وقوله تعالى: {ويا قوم هذه ناقة الله} الآية، اقتضب في هذه الآية ذكر أول أمر الناقة، وذلك أنه روي أن قومه طلبوا منه آية تضطرهم إلى الإيمان، فأخرج الله، جلت قدرته، لهم الناقة من الجبل، وروي أنهم اقترحوا تعيين خروج الناقة من تلك الصخرة، فروي أن الجبل تمخض كالحامل، وانصدع الحجر، وخرجت منه ناقة بفصيلها، وروي أنها خرجت عشراء، ووضعت بعد خروجها، فوقفهم صالح وقال لهم: {هذه ناقة الله لكم آية}، ونصب {آية} على الحال.
وقرأت فرقة {تأكلْ} بالجزم على جواب الأمر، وقرأت فرقة: {تأكلُ} على طريق القطع والاستئناف، أو على أنه الحال من الضمير في {ذروها}.
وقوله {ولا تمسوها بسوء} عام في العقر وغيره، وقوله: {فيأخذكم عذاب قريب} هذا بوحي من الله إليه أن قومك إذا عقروا الناقة جاءهم عذاب قريب المدة من وقت المعصية، وهي الأيام الثلاثة التي فهمها صالح عليه السلام من رغاء الفصيل على جبل القارة. وأضاف العقر إلى جميعهم لأن العاقر كان منهم وكان عن رضى منهم وتمالؤ، وعاقرها قدار، وروي في خبر ذلك أن صالحاً أوحى الله إليه أن قومك سيعقرون الناقة وينزل بهم العذاب عند ذلك، فأخبرهم بذلك فقالوا: عياذاً بالله أن نفعل ذلك، فقال: إن لم تفعلوا أنتم ذلك أوشك أن يولد فيكم من يفعله، وقال لهم: صفة عاقرها أحمر أزرق أشقر، فجعلوا الشرط مع القوابل وأمروهم بتفقد الأطفال، فمن كان على هذه الصفة قتل، وكان في المدينة شيخان شريفان عزيزان، وكان لهذا ابن ولهذا بنت، فتصاهرا فولد بين الزوجين قدار، على الصفة المذكورة، فهم الشرط بقتله، فمنع منه جداه حتى كبر، فكان الذي عقرها بالسيف في عراقيبها، وقيل: بالسهم في ضرعها وهرب فصيلها عن ذلك، فصعد على جبل يقال له القارة، فرغاً ثلاثاً، فقال صالح: هذا ميعاد ثلاثة أيام للعذاب، وأمرهم قبل رغاء الفصيل أن يطلبوه عسى أن يصلوا إليه فيندفع عنه العذاب به، فراموا الصعود إليه في الجبل، فارتفع الجبل في السماء حتى ما تناله الطير، وحينئذ رغا الفصيل.
وقوله {في داركم} هي جمع دارة كما تقول ساحة وساح وسوح، ومنه قول أمية بن أبي الصلت: [الوافر]
له داع بمكةَ مشمعلّ *** وآخر عند دارته ينادي
ويمكن أن يسمى جميع مسكن الحي داراً، والثلاثة الأيام تعجيز قاس الناس عليه الاعذار إلى المحكوم عليه ونحوه.
قال القاضي أبو محمد: وذلك عندي مفترق لأنها في المحكوم عليه والغارم في الشفعة ونحوه توسعة، وهي هنا توقيف على الخزي والتعذيب، وروى قتادة عن ابن عباس أنه قال: لو صعدتم على القارة لرأيتم عظام الفصيل.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11